استجوبت ​المحكمة العسكرية​ الدائمة، برئاسة العميد ​حسين عبدالله​، الارهابي الموقوف المعروف بـ"أبو طاقية"، في ملف يتعلق بأحداث ​عرسال​ عام 2014 لمدة ساعتين. هذا الملف كانت المحكمة قد أنهت الاستجوابات فيه، وكان من المفترض الانتقال إلى مرحلة المرافعة عن الموقوفين، أبرزهم ​عماد جمعة​، إلا أن توقيف الحجيري فرض استجوابه فيه.

في هذه الجلسة، أنكر الحجيري أن يكون قد بايع تنظيمي "​القاعدة​" أو جبهة "النصرة"، مؤكداً أن فكره يختلف عنهما، كما نفى أن يكون مسؤولاً عن عملية خطف العسكريين، مشدداً على أن دوره كان السعي إلى الإفراج عنهم بتكليف من الدولة ال​لبنان​ية.

أموال المساعدات

في بداية الجلسة، تحدث "أبو طاقية" عن دراسته الشرعية في ​باكستان​ قبل أن يعود إلى لبنان في العام 1993، حيث أقام في ​مدينة صيدا​ وكان يعمل مدرساً في جمعية دينية، ومن ثم عاد إلى عرسال في العام 2008 حيث شيّد مسجد دار السلام ومدرسة لتحفيظ ​القرآن الكريم​.

وأشار الحجيري إلى أنه في بداية الأحداث السوريّة كانت تأتي مجموعة صغيرة من النازحين، وبدأت عملية تقديم المساعدات لهم بجهود فرديّة، لكن بعد استعادة ​الجيش السوري​ سيطرته على ​مدينة القصير​، أصبحت الأعداد كبيرة جداً وبدأ عمل الجمعيات التي تعنى بتقديم المساعدات لهم.

وتحدث "أبو طاقية" عن المستشفى الذي كانت تتم بداخله معالجة الجرحى، مشيراً إلى أنه عبارة عن مستوصف، بعد سقوط القصير جاء طاقم طبي كبير إليه بقيادة الدكتور قاسم الزين، الذي يملك علاقات قوية جداً مع أطباء في دول أوروبية وعربية وفي الداخل السوري، وكان يحصل على الأموال من جهات في ​الكويت​ و​السعودية​ وغيرها من الدول، ومن بعض الجمعيات مثل جمعية التقوى في بيروت التي يديرها الموقوف عمر الحمصي.

وأكد الحجيري أنه لم يكن يقبض أي أموال أو يتلقى أي تحويلات ماليّة، مشيراً إلى أنه استلم أموالا من جمعية التقوى ليعطيها إلى أسماء محددة كمساعدات، لكنه شدد على أنه لم يكن له علاقة بموضوع المال ولم يكن مديراً للمستشفى المذكور.

الجيش ضمانة لبنان

بعد ذلك، انتقل "أبو طاقية" للحديث عن اللقاء الأول الذي جمعه مع القيادي في جبهة "النصرة" أبو مالك التلّة، مشيراً إلى أنه كان في ​يبرود​ عندما كان يزور المنطقة، حين جاءت مجموعة تابعة للتلة وقالت له: "الشيخ بدو يشوفك".

وأوضح الحجيري أنه خلال هذا اللقاء أبلغه التلة أن لديه مشروعاً ويريد منه الانضمام إلى مجموعته، إلا أنه قال له أنه مواطن لبناني وليس ​سوريا​ً، وهو مؤيد لـ"الثورة" لكن لا يدعو للقتال، بالرغم من أنه أكد في الجلسة أنه كان يقول للسوريين في عرسال أن مكانكم ليس الخيمة بل في بلدكم.

وأعلن الحجيري أنه لم يكن يوماً مؤيداً لتنظيم "القاعدة" أو جبهة "النصرة"، قائلاً: "لو كنت كذلك لدى وجودي في باكستان كنت دخلت إلى ​أفغانستان​ ولم أعُد إلى لبنان"، أما بالنسبة إلى مواقفه المؤيدة لمقاومة الشعب العراقي الاحتلال الأميركي، أكد أنه لا يزال عند موقفه، ومن حق أي شعب أن يقاوم لإخراج الأجنبي المحتل من أرضه، مضيفاً: "لست مؤيّداً لفكر القاعدة المنحرف في الكثير من الأمور العقائدية"، موضحاً أن مفهومه لـ"الجهاد" هو الذي قام به اللبنانيون منذ العام 1982 إلى حين إخراج ​الجيش الإسرائيلي​ من لبنان.

ونفى "أبو طاقية" أن يكون حرّض على ​الجيش اللبناني​ أو "​حزب الله​"، قائلاً: "قد انتقد تصرف فرد في شيء واحد لكن ​المؤسسة العسكرية​ ضمانة للبنان، ومن دونها لا وجود له".

"داعش" و"النصرة" دمّرا "الثورة"

ورداً على سؤال، شدّد الحجيري على أنه عندما أيّد "الثورة" السورية لم يكن هناك لا "النصرة" ولا غيرها، قائلاً: "أبو مالك التلة وغيره من الطارئين عليها"، مضيفاً: "أنا اعتبر أن النصرة وداعش دمّرا الثورة ولم يكن لي علاقة معهما إلا بعد تكليف من قبل ​الحكومة اللبنانية​ بملف العسكريين".

وكشف الحجيري أنه قبل ذلك التقى التلّة 4 أو 5 مرات لإخراج مخطوفين (المرة الأولى للإفراج عن 3 مسيحيين، المرة الثانية للإفراج عن مهندس شيعي من ​بلدة العين​) نجح في إخراجهم، مجدداً التأكيد أنه لو كان مؤمناً بتعاليم "النصرة" لكان ذهب مع الذين خرجوا إلى إدلب، لكنه أكد أنه عرض عليه أن يكون قاضياً لدى الجبهة، إلا أنه رفض العرض رغم وجود مذكرات توقيف بحقه.

ورداً على سؤال آخر حول تنظيمه دورة شرعية مع المسؤول الشرعي لدى "النصرة" "أبو عائشة" لسوريين، قال: "نظّمنا دورة في الفقه والعقيدة والقرآن الكريم لمدة 15 يوماً أنا ويحيى الحجيري وأبو عائشة"، مؤكداً أن الأخير كان يعطي دروساً في القرآن الكريم فقط.

معركة عرسال

بعد ذلك، انتقل "أبو طاقية" للحديث عن خطة الهجوم على عرسال التي كانت تعد لها المجموعات المسلّحة قبل توقيف عماد الجمعة، كاشفاً أن ​علي حسن​ الحجيري وجهاد الحجيري هما من أبلغاه بها، مشيراً إلى أنه ذهب معهما للقاء أبو مالك التلة للطلب منه الابتعاد عن عرسال، لافتاً إلى أن الأخير لم يكن يعطي جواباً واضحاً فلم يؤكد ولم ينفِ وكان يقول: "خير انشالله ولن يحصل إلا الخير"، مؤكداً أن ​الأجهزة الأمنية​ كانت تعلم بذلك والخطة فشلت.

بالانتقال إلى المعركة التي شهدتها عرسال بعد توقيف الجمعة، أشار الحجيري أنه "لم يكن لدي أي علم بما حصل، لكن سمعت إطلاق نار وانتقلت إلى مبنى البلدية، وهناك علمت بما حصل وبأن هناك مجموعة مسلحة تحاصر عناصر ​قوى الأمن الداخلي​ في مركزهم".

ولفت إلى أنه عند ذلك انتقل هو ورئيس ​بلدية عرسال​ السابق ​علي الحجيري​ إلى المكان، مشيراً إلى أن المجموعات المسلحة كانت قد قتلت المواطن كمال عز الدين لأنه حاول الدفاع عن عناصر قوى الأمن الداخلي، كاشفاً أنه لدى وصولهما وقعت مشادة بين علي الحجيري والمسلّحين وأحد هؤلاء رفع بندقيته بوجه رئيس بلدية عرسال السابق لأنه كان يدافع عن العسكريين، ما اضطرّه للمغادرة، في حين هو قال لهم "هذا لا يجوز"، مضيفاً: "حصلت مشادّة بيني وبين المسلحين".

وأوضح أنه أثناء المشادّة اتفقوا على وضع عناصر قوى الأمن الداخلي لديّ لحين إطلاق "جمعة"، كاشفاً أنه عندما كان في البلدية كان علي الحجيري يتصل بضباط وفهم منه أن هناك وعوداً بإطلاق سراحه.

العسكريون المخطوفون

بعد ذلك، أشار "أبو طاقية" إلى أنه تم نقل العسكريين إلى منزله واعتبر أن هذه فرصة والمسألة ستنتهي خلال ساعات، قائلاً: "وضعت 4 منهم في سيارتي والآخرين نقلوا في ​سيارة​ بيك آب عائدة للمسلحين"، مضيفاً: "أبلغني أبو خالد كوبرا أن معي حتى الساعة 9 مساء لإطلاق سراح "جمعة"، لكن عندها حصلت مشادة وحاولنا تهريب العسكريين ونجحنا في تهريب 2 منهم، ومن ثم طلبت من نجلي تأمين الضيافة لهم وذهبت إلى البلدية في حين بقي معهم المسلحون الذي كانوا في المخفر".

وأشار الحجيري إلى أنه عند انتقاله إلى مبنى البلدية كان هناك نائب رئيس البلديّة الراحل أحمد الفليطي الذي أجرى اتصالات بفاعليات عرسال لعقد اجتماع لكن الجميع رفض الحضور، لافتاً إلى أنه في هذه الليلة جاء وفد "​هيئة العلماء المسلمين​" بقيادة ​سالم الرافعي​، في حين أبلغه نجله بأن أبو مالك التلة وصله برفقة 100 مسلح، موضحًا أن الأخير أخبره بأن العسكريين أسرى حرب بينما هو أكد له أنهم ضيوف لديه.

وأشار أنه في صباح اليوم الثاني أبلغ الرافعي بما يريده التلة وطلب منه التحدث معه، إلا أن التلة رفض وعند الساعة العاشرة ليلاً أخذوا العسكريين، مؤكداً أنه لم يحضر أي اجتماع تحضيري له علاقة بالهجوم على مراكز الجيش.

بالنسبة إلى مقطع الفيديو الذي نشر له وهو يهدد بقتال الجيش اللبناني، أشار إلى أنه مقتطع وحينها وقعت مشادة بينه وبين التلة، مشيراً إلى أنه كان يرد عليه بعد أن قال أنه بحال مغادرتهم سيدخل الجيش لقتال أهل عرسال، مضيفاً: "أنا قلت له أن الجيش لن يفعل ذلك بل سيحمي الناس وبحال قام بأي عمل أنا سأقاتل"، لافتاً إلى أنه من خلال ذلك كان يقول له أخرج لكن كان يريد منه عدم أخذ العسكريين معه.

"داعش" أفتى بقتلي

بعد ذلك، كشف "أبو طاقية" أنه في اليوم التالي على نقل العسكريين انتقل إلى الجرود، وطلب جمع العسكريين للبدء في التفاوض مع ​الدولة اللبنانية​ بسبب خوفه من قتل "داعش" من هم لديها، لافتاً إلى أنه عندما انتقل، برفقة التلة، إلى مركز المجموعة التي كان يقودها عماد جمعة وجد أنها رفعت راية "داعش" على المركز، مشيراً إلى أنه سأل المسؤول عنها "أبو السلام" عن سبب قتلهم المواطن عز الدين، فأبلغه بأنهم قاموا بذلك لأنه "مرتدّ" يدافع عن العسكريين، موضحاً أن التلة وافقهم في الرأي وحصلت عند ذلك مشادة أفتت على أثره جماعة "داعش" بقتله، مضيفاً: "لم يقتلوني لأنني كنت برفقة التلة".

وأوضح أنه بعد ذلك تواصل مع النائبين جمال الجرّاح و​وائل أبو فاعور​ وبدأ بالتحرك بناء على تكليف من قبل الدولة اللبنانية، وتمّت عملية إطلاق عسكريين على دفعات، في المرة الأولى 3 ومن ثم 3 ومن ثم 5 وبعد ذلك 16.

وأشار الحجيري إلى أنه قبل عملية التبادل التي حصلت بين "النصرة" والدولة اللبنانية حصل عقد اجتماع في مغارة التلة طرح فيه ملفه، كاشفاً أنه كان سيلغي الاتفاق في حال لم يتم الانتهاء من هذا الملف، إلا أنه، أي "أبو طاقية"، قال له: "أنا متنازل وليتم إطلاق سراح العسكريين".

بالنسبة إلى قرار اعدام الشهيدين ​علي البزال​ و​محمد حمية​، كشف "أبو طاقية" أن جهة لبنانية كانت تطلب منه السعي إلى الافراج عن العسكري ​جورج خوري​، وكانت تقول أن ذلك سيساعد في المفاوضات، لكن بسبب إصراره على الافراج عن خوري أبلغه التلة بأنه سيضعه على اللائحة التي تشمل حمية والبزّال، مشيراً إلى أن قرار اعدام حمية والبزال كان متخذاً من اليوم الأول لأنهما من ​الطائفة الشيعية​.

وأوضح أنه خلال المفاوضات لم يحضر إلا أبو صهيب التلة وهو الذي أخذ قرار اعدام العسكريين حمية والبزال، وكان يعتبر أن هذا العمل يقربه من الله، مشيراً إلى أن السبب في ذلك هو قتال "حزب الله" في سوريا.

لم أرسل سيارات مفخخة

خلال الجلسة تم سؤال الحجيري عن بعض عمليات الخطف مقابل الفدية التي هناك مؤشرات على تورطه فيها، إلا أنه نفى ذلك بشكل مطلق، وأكد أنه لم يشكل أي مجموعة مسلحة، مشيراً إلى أن ما ورد في افادته عن عملية خطف صحافي دنماركي والحصول على فدية مالية من سفارة بلاده مقابل الافراج عنه، كان بسبب التهديدات التي تعرض لها، موضحاً أن دوره كان تسلّم الفدية المالية وتسليمها إلى المجموعة الخاطفة بقيادة طارق العبدالله.

ورداً على سؤال، أقرّ الحجيري بأنه نقل أسلحة إلى "​الجيش السوري الحر​" خلال معركة باب عمرو في حمص.

على صعيد متصل، نفى الحجيري ما ورد في إفادات بعض الموقوفين عن تجهيزه سيارة مفخخة وانتحاريين، مشيراً إلى أنه يجيز هذا النوع من العمليات.

بالنسبة إلى الأسباب التي حالت دون الكشف عن الدور الذي كان يقوم به بتكليف من الدولة اللبنانية، أشار الحجيري إلى أن أبو فاعور كان يطلب منه عدم التحدث في الأمر بالعلن، وفي المفاوضات الأخيرة طلب منه مدير عام ​الأمن العام​ ​اللواء عباس إبراهيم​ ذلك أيضاً، نافياً أن يكون دوره بذلك ملتبساً.

ورداً على سؤال آخر حول الأسباب التي منعته من تسليم نفسه بدل التواري عن الأنظار، أوضح أنه لم يتوارَ عن الأنظار إلا بعد تسليم ​شهداء الجيش اللبناني​، وكان ينتظر أن يكون هناك وساطة ما أو الحصول على ضمانات لتسليم نفسه.

كما نفى الحجيري أن يكون شارك في أي اجتماع أخذ فيه القرار بالهجوم على مراكزالجيش، موضحاً أن الكلام عن عقد اجتماع في منزله لهذا الغرض غير صحيح، لا سيما أن الهجوم كان قد حصل قبل نزول التلة إلى منزله.

وقبل رفع الجلسة إلى 6 آذار المقبل لسماع إفادات عدد من الشهود من بينهم نجلي "أبوطاقية" عبادة وبراء، على أن تكون مخصّصة للمرافعات أيضاً، طلب وكيل الدفاع عن "أبو طاقية" المحامي ناجي ياغي إرسال كتاب إلى ​المديرية العامة للأمن العام​، للاستفسار عن دور الحجيري في المفاوضات، إلا أن رئيس المحكمة أكد له أن الهيئة تعرف هذا الأمر و"مصدقين ما قاله عن هذا الموضوع".